لو أن أحدا من عالم آخر هبط إلى الأرض وسأل عن أكمل ما أبدعه منطق الحياة ، لما وسعنا إلا أن نعرض عليه مشط الشمع المتواضع الذي يبنيه النحل، هذا ما قاله العالم فترلنك في كتابه حياة النحلة.
النحلة هي حشرة تنتمي لرتبة غشائيات الأجنحة، ووظيفتها إنتاج العسل وشمع النحل والتلقيح، يعرف منها ما يقارب 20.000 نوع، وتنتشر في جميع قارات العالم عدا القطب الجنوبي.
يعتبر النحل بشكل عام من أكثر الحشرات نفعا، نظرا لمساهمته في تلقيح الأزهار, فضلا عن صنعه للعسل والعديد من المنتجات المفيده جدا منها غبار الطلع وغذاء الملكه كما ان العديد من الناس يتداوا بلسعات النحل
لابد من التكلم عن مدى النظام و الدقة اللذين يحكمان جماعات النحل المستقرة . فمن المعروف أن الجماعة الواحدة تتألف من الملكة ( الأم) وحوالي خمسمائة نحلة من الذكور ، بالإضافة إلى عدد هائل من العاملات و صغار في دور التكوين، أما الملكة فعليها وحدها وضع البيض الذي يخرج منه نحل الخلية كلها، و الذكور عليها تلقيح الملكة، بينما تقوم العاملات بجمع الغذاء وتنظيف الخلية.
يقول كتاب ناتشر رغم أن الملكة هي أهم فرد في مجتمع النحل ، إلا أنها لا تحكم خلية النحل على الإطلاق ، غير أنها تنتج هرمونات تحدد مخـتلف نواحي سلوك النحل .
إذن من يحكم خلية النحل ؟ إنهن العاملات أنفسهن . فهن اللواتي يقررن متى وأين يجمعن رحيق الأزهار. وهن اللاتي يقررن متي تستبدل ملكتهن، وهن اللاتي يحددن متى يهاجرن في حشد كبير لتشكيل خلية جديدة.
من عجائب النحل ظاهرة يسميها العلماء ظاهرة السكر، فبعض النحل يتناول أثناء رحلاته بعض المواد المخدرة مثل إثانول وهي مادة تنتج بعد تخمر بعض الثمار الناضجة في الطبيعة، فتأتي النحلة لتلعق بلسانها قسما من هذه المواد فتصبح "سكرى" تماما مثل البشر، إن الأعراض التي تحدث عند النحل بعد تعاطيه تشبه الأعراض التي تحدث للإنسان ويقول العلماء إن هذه النحلات السكرى تصبح عدوانية، ومؤذية لأنها تفسد العسل وتفرغ فيه هذه المواد المخدرة مما يؤدي إلى تسممه، وكان لابد من مراقبة سلوك النحل. فلاحظوا أن في كل خلية نحل هناك نحلات مزودة بما يشبه أجهزة الإنذار، تستطيع تحسس رائحة النحل السكران وتقاتله وتبعده عن الخلية!!
للنحلة الشغالة في جسمها من الأجهزة ما يجعلها تستطيع قياس المسافات و الأبعاد و الزوايا ، ثم إنها تستخدم لغة سرية في التخاطب عن طريق رقصات خاصة معبرة تنبئ بها أخواتها عن وجود الرحيق و تحدد لهن موضعه تحديدا دقيقاً من حيث زاوية الاتجاه إليه و بعده عن بيتها .
تبني بيوتها مسدسة متساوية الأضلاع ، كأنها قرأت كتاب إقليدس ، حتى عرفت أوفق الأشكال لبيوتها ؛ لأنّ المطلوب من بناء الدور هو الوثاقة والسعة ، والشكل المسدس دون سائر الأشكال إذا انضمت بعض أشكاله إلى بعض صار شكلاً مستديراً كاستدارة الرحى ، ولا يبقى فيه فروج ولا خلل ، ويشد بعضه بعضاً ، حتى يصير طبقاً واحداً محكماً ، لا يدخل بين بيوته رؤوس الإبر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق